كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اختلف من أمرهم، وما فرق الله من جماعتهم، دعا حذيفة بن اليمان، فبعثه إليهم لينظر ما فعله القوم ليلًا.
قال ابن إسحاق: فحدثني زيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال: قال رجل من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان: يا أبا عبدالله. أرأيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبتموه؟ قال: نعم يا ابن أخي. قال: فكيف كنتم تصنعون؟ قال: والله لقد كنا نجهد. فقال: والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض، ولحملناه على أعناقنا. قال: فقال حذيفة: يا ابن أخي. والله لقد رأيتنا مع سول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق، وصلى رسول الله هويًا من الليل؛ ثم التفت إلينا فقال: من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم، ثم يرجع، يشرط له رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجعة. أسأل الله تعالى أن يكون رفيقي في الجنة؟ فما قام رجل من القوم من شدة الخوف، وشدة الجوع، وشدة البرد. فلما لم يقم أحد دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني. فقال: يا حذيفة اذهب فادخل في القوم فانظر ماذا يصنعون، ولا تحدث شيئًا حتى تأتينا قال: فذهبت فدخلت في القوم، والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل، ولا تقر لهم قدرًا ولا نارًا ولا بناء. فقام أبو سفيان فقال: يا معشر قريش لينظر امرؤ من جليسه. قال حذيفة: فأخذت الرجل الذي كان إلى جنبي فقلت: من أنت؟ قال: فلان ابن فلان! ثم قال أبو سفيان: يا معشر قريش، إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام. لقد هلك الكراع والخف يعني الخيل والجمال وأخلفتنا بنو قريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقينا من شدة الريح ما ترون. ما تطمئن لنا قدر، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء. فارتحلوا فإني مرتحل.
ثم قام إلى جمله وهو معقول، فجلس عليه ثم ضربه فوثب به على ثلاث. فوالله ما أطلق عقاله إلا وهو قائم. ولولا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إليَّ ألا تحدث شيئًا حتى تأتيني، ثم شئت لقتلته بسهم.
قال حذيفة: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي في مرط أي كساء لبعض نسائه مرجل من وشي اليمن فلما رآني أدخلني إلى رجليه، وطرح عليَّ طرف المرط؛ ثم ركع وسجد وإني لفيه. فلما سلم أخبرته الخبر. وسمعت غطفان بما فعلت قريش فانشمروا راجعين إلى بلادهم.
إن النص القرآني يغفل أسماء الأشخاص، وأعيان الذوات، ليصور نماذج البشر وأنماط الطباع. ويغفل تفصيلات الحوادث وجزئيات الوقائع، ليصور القيم الثابتة والسنن الباقية. هذه التي لا تنتهي بانتهاء الحادث، ولا تنقطع بذهاب الأشخاص، ولا تنقضي بانقضاء الملابسات، ومن ثم تبقى قاعدة ومثلًا لكل جيل ولكل قبيل. ويحفل بربط المواقف والحوادث بقدر الله المسيطر على الأحداث والأشخاص، ويظهر فيها يد الله القادرة وتدبيره اللطيف، ويقف عند كل مرحلة في المعركة للتوجيه والتعقيب والربط بالأصل الكبير.
ومع أنه كان يقص القصة على الذين عاشوها، وشهدوا أحداثها، فإنه كان يزيدهم بها خبرًا، ويكشف لهم من جوانبها ما لم يدركوه وهم أصحابها وأبطالها! ويلقي الأضواء على سراديب النفوس ومنحنيات القلوب ومخبآت الضمائر؛ ويكشف للنور الأسرار والنوايا والخوالج المستكنة في أعماق الصدور.
ذلك إلى جمال التصوير، وقوته، وحرارته، مع التهكم القاصم، والتصوير الساخر للجبن والخوف والنفاق والتواء الطباع! ومع الجلال الرائع والتصوير الموحي للإيمان والشجاعة والصبر والثقة في نفوس المؤمنين.
إن النص القرآني معد للعمل لا في وسط أولئك الذين عاصروا الحادث وشاهدوه فحسب. ولكن كذلك للعمل في كل وسط بعد ذلك وفي كل تاريخ. معد للعمل في النفس البشرية إطلاقًا كلما واجهت مثل ذلك الحادث أو شبهه في الآماد الطويلة، والبيئات المنوعة. بنفس القوة التي عمل بها في الجماعة الأولى.
ولا يفهم النصوص القرآنية حق الفهم إلا من يواجه مثل الظروف التي واجهتها أول مرة. هنا تتفتح النصوص عن رصيدها المذخور، وتتفتح القلوب لإدراك مضامينها الكاملة. وهنا تتحول تلك النصوص من كلمات وسطور إلى قوى وطاقات. وتنتفض الأحداث والوقائع المصورة فيها. تنتفض خلائق حية، موحية، دافعة، دافقة، تعمل في واقع الحياة، وتدفع بها إلى حركة حقيقية، في عالم الواقع وعالم الضمير.
إن القرآن ليس كتابًا للتلاوة ولا للثقافة. وكفى. إنما هو رصيد من الحيوية الدافعة؛ وإيحاء متجدد في المواقف والحوادث! ونصوصه مهيأة للعمل في كل لحظة، متى وجد القلب الذي يتعاطف معه ويتجاوب، ووجد الظرف الذي يطلق الطاقة المكنونة في تلك النصوص ذات السر العجيب!.
وإن الإنسان ليقرأ النص القرآني مئات المرات؛ ثم يقف الموقف، أو يواجه الحادث، فإذا النص القرآني جديد، يوحي إليه بما لم يوح من قبل قط، ويجيب على السؤال الحائر، ويفتي في المشكلة المعقدة، ويكشف الطريق الخافي، ويرسم الاتجاه القاصد، ويفيء بالقلب إلى اليقين الجازم في الأمر الذي يواجهه، وإلى الاطمئنان العميق.
وليس ذلك لغير القرآن في قديم ولا حديث.
يبدأ السياق القرآني الحديث عن حادث الأحزاب بتذكير المؤمنين بنعمة الله عليهم أن رد عنهم الجيش الذي همّ أن يستأصلهم، لولا عون الله وتدبيره اللطيف. ومن ثم يجمل في الآية الأولى طبيعة ذلك الحادث، وبدءه ونهايته، قبل تفصيله وعرض مواقفه. لتبرز نعمة الله التي يذكرهم بها، ويطلب إليهم أن يتذكروها؛ وليظهر أن الله الذي يأمر المؤمنين باتباع وحيه، والتوكل عليه وحده، وعدم طاعة الكافرين والمنافقين، هو الذي يحمي القائمين على دعوته ومنهجه، من عدوان الكافرين والمنافقين:
{يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحًا وجنودًا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرًا}.
وهكذا يرسم في هذه البداءة المجملة بدء المعركة وختامها، والعناصر الحاسمة فيها. مجيء جنود الأعداء. وإرسال ريح الله وجنوده التي لم يرها المؤمنون. ونصر الله المرتبط بعلم الله بهم، وبصره بعملهم.
ثم يأخذ بعد هذا الإجمال في التفصيل والتصوير:
{إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتُلي المؤمنون وزلزلوا زلزالًا شديدًا وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورًا وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارًا}.
إنها صورة الهول الذي روع المدينة، والكرب الذي شملها، والذي لم ينج منه أحد من أهلها. وقد أطبق عليها المشركون من قريش وغطفان واليهود من بني قريظة من كل جانب. من أعلاها ومن أسفلها. فلم يختلف الشعور بالكرب والهول في قلب عن قلب؛ وإنما الذي اختلف هو استجابة تلك القلوب، وظنها بالله، وسلوكها في الشدة، وتصوراتها للقيم والأسباب والنتائج. ومن ثم كان الابتلاء كاملًا والامتحان دقيقًا. والتمييز بين المؤمنين والمنافقين حاسمًا لا تردد فيه.
وننظر اليوم فنرى الموقف بكل سماته، وكل انفعالاته، وكل خلجاته، وكل حركاته، ماثلًا أمامنا كأننا نراه من خلال هذا النص القصير.
ننظر فنرى الموقف من خارجه: {إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم}.
ثم ننظر فنرى أثر الموقف في النفوس: {وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر}. وهو تعبير مصور لحالة الخوف والكربة والضيق، يرسمها بملامح الوجوه وحركات القلوب.
{وتظنون بالله الظنونا}. ولا يفصل هذه الظنون. ويدعها مجملة ترسم حالة الاضطراب في المشاعر والخوالج، وذهابها كل مذهب، واختلاف التصورات في شتى القلوب.
ثم تزيد سمات الموقف بروزًا، وتزيد خصائص الهول فيه وضوحًا: {هنالك ابتُلي المؤمنون وزلزلوا زلزالًا شديدًا}. والهول الذي يزلزل المؤمنين لابد أن يكون هولًا مروعًا رعيبًا.
قال محمد بن مسلمة وغيره: كان ليلنا بالخندق نهارًا؛ وكان المشركون يتناوبون بينهم، فيغدو أبو سفيان ابن حرب في أصحابه يومًا، ويغدو خالد بن الوليد يومًا، ويغدو عمرو بن العاص يومًا، ويغدو هبيرة ابن أبي وهب يومًا، ويغدو عكرمة بن أبي جهل يومًا. ويغدو ضرار بن الخطاب يومًا. حتى عظم البلاء وخاف الناس خوفًا شديدًا.
ويصور حال المسلمين ما رواه المقريزي في إمتاع الأسماع. قال: ثم وافى المشركون سحرًا، وعبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فقاتلوا يومهم إلى هويّ من الليل، وما يقدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من المسلمين أن يزولوا من موضعهم. وما قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم على صلاة ظهر ولا عصر ولا مغرب ولا عشاء؛ فجعل أصحابه يقولون: يا رسول الله ما صلينا! فيقول. ولا أنا والله ما صليت! حتى كشف الله المشركين، ورجع كل من الفريقين إلى منزله، وقام أسيد بن حضير في مائتين على شفير الخندق، فكرت خيل للمشركين يطلبون غرة وعليها خالد بن الوليد فناوشهم ساعة، فزرق وحشي الطفيل بن النعمان بن خنساء الأنصاري السلمي بمزراق، فقتله كما قتل حمزة رضي الله عنه بأحد. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: «شغلنا المشركون عن صلاة الوسطى صلاة العصر. ملأ الله أجوافهم وقلوبهم نارًا» وخرجت طليعتان للمسلمين ليلًا فالتقتا ولا يشعر بعضهم ببعض، ولا يظنون إلا أنهم العدو. فكانت بينهم جراحة وقتل. ثم نادوا بشعار الإسلام! حم. لا ينصرون فكف بعضهم عن بعض. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جراحكم في سبيل الله ومن قتل منكم فإنه شهيد».
ولقد كان أشد الكرب على المسلمين، وهم محصورون بالمشركين داخل الخندق، ذلك الذي كان يجيئهم من انتقاض بني قريظة عليهم من خلفهم. فلم يكونوا يأمنون في أية لحظة أن ينقض عليهم المشركون من الخندق، وأن تميل عليهم يهود، وهم قلة بين هذه الجموع، التي جاءت بنية استئصالهم في معركة حاسمة أخيرة.
ذلك كله إلى ما كان من كيد المنافقين والمرجفين في المدينة وبين الصفوف:
{وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورًا}.
فقد وجد هؤلاء في الكرب المزلزل، والشدة الآخذة بالخناق فرصة للكشف عن خبيئة نفوسهم وهم آمنون من أن يلومهم أحد؛ وفرصة للتوهين والتخذيل وبث الشك والريبة في وعد الله ووعد رسوله، وهم مطمئنون أن يأخذهم أحد بما يقولون.
فالواقع بظاهره يصدقهم في التوهين والتشكيك. وهم مع هذا منطقيون مع أنفسهم ومشاعرهم؛ فالهول قد أزاح عنهم ذلك الستار الرقيق من التجمل، وروع نفوسهم ترويعًا لا يثبت له إيمانهم المهلهل! فجهروا بحقيقة ما يشعرون غير مبقين ولا متجملين!.
ومثل هؤلاء المنافقين والمرجفين قائمون في كل جماعة؛ وموقفهم في الشدة هو موقف إخوانهم هؤلاء. فهم نموذج مكرر في الأجيال والجماعات على مدار الزمان!.
{وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا} فهم يحرضون أهل المدينة على ترك الصفوف، والعودة إلى بيوتهم، بحجة أن إقامتهم أمام الخندق مرابطين هكذا، لا موضع لها ولا محل، وبيوتهم معرضة للخطر من ورائهم. وهي دعوة خبيثة تأتي النفوس من الثغرة الضعيفة فيها، ثغرة الخوف على النساء والذراري. والخطر محدق والهول جامح، والظنون لا تثبت ولا تستقر!.
{ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة} يستأذنون بحجة أن بيوتهم مكشوفة للعدو. متروكة بلا حماية.
وهنا يكشف القرآن عن الحقيقة، ويجردهم من العذر والحجة:
{وما هي بعورة} ويضبطهم متلبسين بالكذب والاحتيال والجبن والفرار:
{إن يريدون إلا فرارًا} وقد روي أن بني حارثة بعثت بأوس بن قيظي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: {إن بيوتنا عورة} وليس دار من دور الأنصار مثل دورنا. ليس بيننا وبين غطفان أحد يردهم عنا، فأذن لنا فلنرجع إلى دورنا، فنمنع ذرارينا ونساءنا. فأذن لهم صلى الله عليه وسلم فبلغ سعد بن معاذ ذلك فقال: يا رسول الله لا تأذن لهم. إنا والله ما أصابنا وإياهم شدة إلا صنعوا هكذا. فردهم.
فهكذا كان أولئك الذين يجبههم القرآن بأنهم: {إن يريدون إلا فرارًا}.
ويقف السياق عند هذه اللقطة الفنية لموقف البلبلة والفزع والمراوغة. يقف ليرسم صورة نفسية لهؤلاء المنافقين والذين في قلوبهم مرض. صورة نفسية داخلية لوهن العقيدة، وخور القلب، والاستعداد للانسلاخ من الصف بمجرد مصادفة غير مبقين على شيء، ولا متجملين لشيء:
{ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لآتوها وما تلبثوا بها إلا يسيرًا}.
ذلك كان شأنهم والأعداء بعد خارج المدينة؛ ولم تقتحم عليهم بعد. ومهما يكن الكرب والفزع، فالخطر المتوقع غير الخطر الواقع، فأما لو وقع واقتحمت عليهم المدينة من أطرافها. {ثم سئلوا الفتنة} وطلبت إليهم الردة عن دينهم {لآتوها} سراعًا غير متلبثين، ولا مترددين {إلا قليلًا} من الوقت، أو إلا قليلًا منهم يتلبثون شيئًا ما قبل أن يستجيبوا ويستسلموا ويرتدوا كفارًا! فهي عقيدة واهنة لا تثبت؛ وهو جبن غامر لا يملكون معه مقاومة!.
هكذا يكشفهم القرآن؛ ويقف نفوسهم عارية من كل ستار. ثم يصمهم بعد هذا بنقض العهد وخلف الوعد.
ومع من؟ مع الله الذي عاهدوه من قبل على غير هذا؛ ثم لم يرعوا مع الله عهدًا:
{ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار وكان عهد الله مسؤولًا}.
قال ابن هشام من رواية ابن إسحاق في السيرة: هم بنو حارثة، وهم الذين هموا أن يفشلوا يوم أحد مع بني سلمة حين همتا بالفشل يومها. ثم عاهدوا الله ألا يعودوا لمثلها أبدًا. فذكر لهم الذي أعطوا من أنفسهم.
فأما يوم أحد فقد تداركهم الله برحمته ورعايته، وثبتهم، وعصمهم من عواقب الفشل. وكان ذلك درسًا من دروس التربية في أوائل العهد بالجهاد. فأما اليوم، وبعد الزمن الطويل، والتجربة الكافية، فالقرآن يواجههم هذه المواجهة العنيفة.
وعند هذا المقطع وهم أمام العهد المنقوض ابتغاء النجاة من الخطر والأمان من الفزع يقرر القرآن إحدى القيم الباقية التي يقررها في أوانها؛ ويصحح التصور الذي يدعوهم إلى نقض العهد والفرار:
{قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذن لا تمتعون إلا قليلًا قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءًا أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله وليًا ولا نصيرًا} إن قدر الله هو المسيطر على الأحداث والمصائر، يدفعها في الطريق المرسوم، وينتهي بها إلى النهاية المحتومة. والموت أو القتل قدر لا مفر من لقائه، في موعده، لا يستقدم لحظة ولا يستأخر. لن ينفع الفرار في دفع القدر المحتوم عن فارّ. فإذا فروا فإنهم ملاقون حتفهم المكتوب، في موعده القريب. وكل موعد في الدنيا قريب، وكل متاع فيها قليل. ولا عاصم من الله ولا من يحول دون نفاذ مشيئته. سواء أراد بهم سوءًا أم أراد بهم رحمة، ولا مولى لهم ولا نصير، من دون الله، يحميهم ويمنعهم من قدر الله.
فالاستسلام الاستسلامَ. والطاعة الطاعة. والوفاء الوفاء بالعهد مع الله، في السراء والضراء. ورجع الأمر إليه، والتوكل الكامل عليه. ثم يفعل الله ما يشاء.